السبت، 6 يناير 2018

جغرافيا الأساتذة و الجغرافيا الاستعراضية.

 منذ نهاية القرن التاسع عشر أصبح لدينا نوعان من الجغرافيا:
الأولى قديمة تتمثل في جغرافيا هيئات الأركان يراها الحكام معرفة إستراتيجية إلى أبعد الحدود.
و النوع الثاني هو  جغرافيا الأساتذة ظهرت منذ نهاية القرن التاسع عشر في ألمانيا ثم في فرنسا كخطاب علمي و تربوي من طراز موسوعي و تصنيف لعناصر المعرفة أدت إلى إخفاء أهميتها في خوض الحرب و تنظيم الدولة.
تجدر الإشارة إلى انه ،بين دروس الكتب المدرسية وملخصات الدروس التي يمليها الأستاذ و محاضرات الجامعة لتكوين الأساتذة من جهة و الإنتاج العلمي المتنوع أي الأطروحات الجغرافية الكبرى من جهة أخرى، توجد بالطبع اختلافات : فالأولى اقتباس لعناصر معرفة قل عددها أو كبر و الثانية إنتاج لأفكار علمية و معلومات جديدة لا يتصور معظم أصحابها في أي غرض ستستخدم . ففي أطروحة جامعية لا مجال للسؤال عن الفائدة المنتظرة من كل هذه المعارف المكدسة ولا عن المستفيد منها (و هم الحكام).و لكن هذه الأطروحات لا تقرأها إلا أقلية قليلة من الناس و دورها الاجتماعي أقل بكثير من دور المحاضرات و الدروس و الملخصات.
     و بالرغم من طابعها البدائي فإن الدروس المقروءة في كتاب  الجغرافيا  والملخصات التي يمليها الأستاذ لها تأثير اكبر بكثير من الناحية الاجتماعية لان كل هدا يساهم في التأثير المستمر في ملايين الناس  منذ نعومة طفولتهم.إن هذا النوع من الجغرافيا المدرسية  والجامعية السائد اجتماعيا في حدود تلقينه لعناصر معرفة مصنفة دون رابط بينها (التضاريس، المناخ، النبات السكان...) لا ينتج عنها فقط حجب البعد السياسي لكل ما لاه علاقة بالمجال بل كذلك ينتج عنها الفرض الضمني للفكرة القائلة بان الجغرافيا لا يوجد فيها ما يتطلب الفهم بل تكفي الذاكرة فقط.

    إن الجغرافيا من بين كل المواد المدرسة في المدرسة و الثانوية هي الوحيدة التي تبدو اليوم كمعرفة بدون تطبيق عملي خارج المنظومة التربوية، عكس التاريخ الذي نعرف علاقاته بحجج الجدل السياسي...
إن جغرافيا الأساتذة تعمل كستار دخاني يحجب فعالية الاستراتيجيات السياسية و العسكرية و حتى الاستراتيجيات الاقتصادية و الاجتماعية التي تسمح جغرافيا أخرى لبعض بتطبيقها...فالضباط يصنفون نفس الطراز من العناوين التي يلثلث بها في القسم : التضاريس،المناخ،النبات الأنهار ،السكان،...مع فارق هام هو أن الضباط يعرفون جيدا الفائدة من هذه العناصر من المعرفة في حين أن التلاميذ و أساتذتهم لا يعرفون ذلك.
جغرافيا الأساتذة ليست السحابة الإيديولوجية الوحيدة التي تخفي كون المعرفة المتعلقة بالمجال أداة حكم رهيبة، إذ لا وجود لها في برامج التعليم الابتدائي و الثانوي في بلدان عديدة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا  بل يوجد حجاب آخر، إذ أصبحت الجغرافيا كذلك عرضا أو استعراضا لان تمثيل المظاهر في الوقت الراهن أصبح مصدرا لا ينضب للإلهام ليس للرسامين فقط بل و لعدد كبير جدا من الناس.لقد غزت المناظر الطبيعية الأفلام والمجلات و الملصقات. و بالرغم من أن الجغرافيا المدرسية والجغرافيا الاستعراضية تعملان بطرق مختلفة جدا حتى انه يبدو من الغريب التقريب بين تأثيرات  الكتب المدرسية وأفلام الويسترن  فان هذين النوعين (من الجغرافيا) يؤديان إلى نفس النتائج أولاها إخفاء فكرة أن الجغرافيا يمكن أن تصبح وسيلة عمل و أدوات سياسية.
 إيف لاكوست. ترجمة مجلة تاج

ليست هناك تعليقات :