|
فرنسيس بيكون (1561- 1626) فيلسوف إنجليزي
ورجل دولة وهو أحد رواد الفكر العلمي الحديث.
مصدر الصورة : موسوعة Encarta |
المعرفة هي السلطة هذا ما كتبه المنظر
والفيلسوف فرنسيس بيكون في عام 1597 و قد كان البنادقة الإسبان ،منذ وقت
قريب ، قد وضعوا حدا لقرون من السيطرة الإسلامية على البحر المتوسط في معركة " ليبانت" البحرية عام 1571 بواسطة بواخر عصرية و مدافع أكثر خفة. لقد كانت البواخر
الاسبانية والبرتغالية والإنجليزية تمخر عباب البحار والمحيطات بأدوات ملاحة وتلسكوبات متقنة الصنع أكثر فأكثر، ومع ذلك استمر الاعتقاد بأن الأرض هي مركز
النظام الشمسي وحتى المفكرين المطلعين كانوا يتقاسمون الرأي مع مارتن لوثر وكانوا
يرون أن الآراء المخالفة هي آراء "معادية للإنجيل "و"لا يمكن
تحملها" في تلك الأثناء ساد الاعتقاد بلا محدودية المعرفة و أطلق العنان
لموجة من الحماس في كل أوروبا . لقد كان فرنسيس بيكون ومعاصروه مقتنعين بأن المعرفة ستحل، في يوم من الأيام ، كل مشاكل البشرية . و في نهاية القرن العشرين أصبحت فئة الباحثين
أكثر تواضعا، فقد صرح الفيزيائي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء
ريتشارد فينمان " إن ما نقوم به في الوقت الراهن لن يكون له وجود في
المستقبل". و كان هذا التصريح الصادر قبل عشر سنوات تلخيصا منه لرأي فئة في
مواجهة الاكتشافات الكبرى في القرن العشرين . حسب رأي هذا الفيزيائي فإن حدود الكون
الممتدة من عناصر المادة والحياة إلى ظهور الكوسموس (الكون) تكون قد
اكتشفت ولكن يكون هناك سوى بعض التفاصيل التي ستكمل و تتمم.
لقد وصل العلم إلى حدوده . و في هذه الأثناء تمت البرهنة رياضيا على محدودية قدراتنا على التصور و لهذا السبب لا
يمكننا أبدا التوغل بشكل كامل في بعض المجالات الغامضة مثل
الوعي البشري وأقل من ذلك ، التقييم الدقيق لنتائج تدخلاننا في
الطبيعة على المدى البعيد.
لقد كانت النهضة و قرون التنوير تهدف إلى العثور على
"حقيقة كونية" وهذا هدف أصبح بعيد المنال.و في الوقت الذي تغزو فيه ثمار
العلم مثل اللقاحات والحبوب المعدلة جينيا و الهاتف واسطة الأقمار الصناعية و
الحاسوب تغزو حياتنا اليومية فإن نخبة الباحثين تتنبأ بنهاية عصر العلم.
ما هي المعرفة ؟
على العكس من قانون الضمور الذي يقول بأن المعلومات تندثر و تنسى بمرور الوقت فإن
الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي نقل ، خلال آلاف السنين،
تجاربه من جيل إلى جيل . كانت اللغة هي أولى ظهرت الكتابة قبل 5000سنة . وتم التحكم
لوقت طويل في الذاكرة الثقافية للبشرية.لقد بقيت النظريات العلمية التابعة للتاريخ
القديم غير قابلة للتكذيب.و لم يبدأ العلم في التفكك إلا في الوقت الراهن، فعالم
الرياضيات لم يفهم على الإطلاق عمل زميله.و تتحتم إعادة صياغة التعليم العلمي كل
عشر سنوات. مكتبة الكونغرس في واشنطن التي تضم أكبر تكديس للمعرفة في العالم تزخر
بالكتب والوثائق، أكثر من 112 كتاب موزعة على رفوف طولها 857 كلم.
لقد كانت للمعرفة في كل عصر قيمة تختلف عنها في عصر
آخر. ففي القرون الوسطى حتى القلة القليلة المتمكنة من الكتابة في الأديرة ، لم تكن
لتفهم معنى الجملة "المعرفة هي السلطة". كانت المعرفة تحفظ في برج عاجي ولم يكن علماء القرون الوسطى مهتمين بالمعارف الجديدة ،ولم يكونوا يريدون سوى
التفكير منطقيا . فكانوا يعلقون بدون انقطاع، مصدرهم الوحيد المعترف به هو الإنجيل
و كتابات أرسطو ومعاصريه . ولم يولد البحث العلمي بمعناه الحالي إلا مع غاليلي
غاليليو. ففي نهاية القرن 16 طوى علماء عصر النهضة كتب العصر العتيق ونظر بنفسه
إلى النجوم وتابع حركة الأجسام وبواسطة أداة قياس
في يده. والقوانين التي اكتشفها عند وضعه للترتيب المنهجي كان بالإمكان إعادة
إنتاجها بغزارة بواسطة التجارب.
هذا هو المعيار الذي يحدد علما دقيقا اليوم كذلك. مع
غاليلي فقدت المعرفة طابعها الجزافي . كان بالإمكان تقييم العالم
و بالتالي التصرف فيه . وضع غاليلي معارفه تحت تصرف السلطات الدنيوية و
كوفيء على ذلك نقدا . وبسرعة ، لم تغذ المعرفة النظرية
العلماء فقط بل غذت كذلك التقدم في ميدان الصناعة الحرفية الحربية و المصانع. لقد
عرف "العلم المطبق" أي التكنيك قيمته،و بعد غاليلي بقرن أصبحت أوروبا
على عتبة العصر الصناعي.
لقد أدت المعرفة في أوروبا إلى دفع العلوم الاجتماعية
إلى الأمام فضلا عن الاقتصاد والصناعة الحرفية الحربية....