4- التلوث المحددة مواضعه (Pollutions localisées)
إلى جانب التلوث الذي يصيب كل كوكب
الأرض تقريبا، يوجد عدد كبير من أصناف التلوث، محلية نسبيا، ولكن نطاقها يتسع أكثر
فأكثر.
1-
تلوث الهواء :
ظاهرة مشابهة للأمطارالحمضية هي تلوث
هواء المدن بديوكسيد الكبريت الناتج من احتراق الوقود الأحفوري في مراجل التدفئة وبأكاسيد الآزوت التي تطرح مع غازات مداخن وسائل النقل ذات المحرك .يحتوي هواء
المدن الملوث على الأوزون و أكاسد الآزوت وحمض الكبريت.في بعض التجمعات ،مثل لوس
انجلوس أو أثينا الواقعتين في مناطق مشمسة ،يتكون غالبا غطاء رمادي داكن – يحتوي
على غازات سامة- ناتجة عن التفاعلات الضوئية-الكيميائية المنشطة بفعل أشعة الشمس
.يعرف هذا الضباب السام باسم " الضبخان" (Smog).لقد بدأ هذا
النوع من التلوث في الاستقرار في مدن كبرى أخرى أوروبية مثل باريس، حيث حدثت عدة
إنذارات بالتلوث. وقد سببت موجة épisodeالضبخان التي حدثت في لندن عام 1952 هلاك حوالي
4000 شخص .إن هذا التلوث الهوائي مسئول عن عدد متزايد من الأمراض التنفسية ،خاصة
في أوساط الأطفال والبالغين ذوي الصحة الهشة. وقد قدرت الخسائر التي سببها تآكل
المعادن ،الحجارة و مواد أخرى بهواء المدن
الملوث بما قيمته 500 مليون أورو
في السنة عام 1980 .
إذا كان إنتاج الوقود الفقير إلى
الكبريت قد أدى إلى تراجع التلوث بديوكسيد الكبريت،فإن حل مشكلة التلوث بديوكسيد
الآزوت يكمن في تقليص كبير لحركة المرور وسائل النقل ذات المحرك ،في المدن.
ليس التلوث المترتب عن نشاط الإنسان
ظاهرة جديدة .لقد عثر في جليد غرينلندا على رصاص يعود تاريخ جزء منه إلى عهد
الإمبراطورية الرومانية .في ذلك العهد ،كان إنتاج أدوات من الرصاص منتشرا ،و كان
يتم في الهواء الطلق ما كان يؤدي إلى طرح كميات كبيرة من هذا المعدن السام في
الغلاف الغازي. إنه أقدم تلويث واسع النطاق تم اكتشافه. و ينسب بعض علماء الآثار
إلى التلوث بالرصاص جزءا من المسئولية في انحطاط الإمبراطورية الرومانية
وانهيارها،إذ كان مصدر الرصاص المبتلع من طرف الأثرياء الرومان لوازم المطبخ
بالدرجة الأولى وكذلك شبكات نقل المياه المتكونة من أنابيب مصنوعة من الرصاص فتسبب
في فيات كثيرة بالقطرة الرصاصية (التسمم بالرصاص).في فرنسا،في القرن التاسع عشر،مس
وباء رصاصي الحرفيين الباريسيين (مثل الرصاصين والصباغين)و تحتم نقل 1200 منهم إلى
المستشفى.
2-
التلوث بالمبيدات الحشرية :
المبيدات pesticide منتجات موجهة
لمحاربة الحشرات النباتات أو الفطريات الضارة.
كان لإنتاج مبيدات حشرية بعد عام 1945
من خلاصات تابعة لمجموعة المحروقات الكلورية (وأشهرها دي دي تي DDT) و استعمالها
المكثف في محاربة الحشرات المتلفة للمزروعات و المضرة بالإنسان ،نتائج كارثية.هذه
المبيدات الحشرية شديدة الاستقرار و تقاوم التلف طيلة سنوات .يمكنها أن تتراكم في التربة، في أنسجة
النباتات و الحيوانات و في القيعان الطينية للمستنقعات و الأودية.تنتشر المبيدات
الحشرية المرشوشة فوق المزروعات في الهواء و تتواجد في كل مكان من العالم، ملوثة
مناطق مثل المناطق القطبية البعيدة جدا عن المناطق المزروعة.
بسبب المخاطر التي
تمثلها المبيدات الحشرية على الحيوانات و الإنسان، و بسبب ظهور حشرات مقاومة لهذه
المنتجات ،انخفض استعمال مواد مثل دي دي تي((DDT
بسرعة في البلدان الغربية ،و لكنها ما تزال تستعمل في الكثير من البلدان السائرة
في طريق النمو .بعض المنتجات مثل ديبرومير الإيثيلين dibromure
d’éthylène المشتبه في كونها مسببة للسرطان ،ممنوعة اليوم في
العديد من البلدان . تضم بعض المبيدات النباتية بعض الخبث(الشوائب) مثل الديوكسين
الذي هو ربما أكبر المنتجات سمية للإنسان كما للحيوانات عرف لحد الآن .
السلبيات الكثيرة للمبيدات و خاصة الحشرية منها معروفة جيدا. و لهذا
السبب يجري استبدالها أكثر فأكثر بالعلاج البيولوجي أو العلاج المدمج intégrée Lutte .ميزة هذه الطرق أنها ليست مضرة بالبيئة و أثبت
فعاليتها
توجد مجموعة أخرى من المركبات
الكيميائية
Les polychlorobiphényles (PCB) قريبة من الدي دي تيDDT، استخدمت لمدة
طويلة في الصناعة و نشرت في البيئة . تأثيره هذه المركبات على الحياة الحيوانية
شبيه بتأثير المبيدات الحشرية، فخصائصها الفيزيائية و الكيميائية شبيهة و قريبة من
خصائص الديوكسين. و نظرا لسميتها أصبح استعمال ال PCB محصورا في بناء عوازل
المحولات الكهربائية و المكثفات.
3-
التلوث النووي :
بالرغم من توقف أغلب الدول عن إجراء
التجارب النووية في الجو ، و أبطلت بذلك مصدرا كبيرا للتلوث الإشعاعي، فإن هذا
الأخير يبقى موضوعا مقلقا.المحطات النووية لا تنفث(ترسل) إلا كميات محدودة من
النفايات المشعة في الهواء و الماء، لكن خطر الحوادث قائم و المشاكل المرتبطة
بتخزين النفايات بعيدة عن الحل. لذلك En effet، بفعل خصائصها المشعة،
ستبقى النفايات سامة خلال مدد تتراوح بين بضعة قرون وعدة ملايين من السنين، و لا
توجد، لحد اليوم، طريقة آمنة لحفظها لمدة بهذا الطول.إن حادثة محطة تشرنوبيل
النووية الواقعة في الاتحاد السوفياتي عام 1985 ( التابعة لأوكرانيا اليوم) ،يجب
أن تحث على أكبر قدر من الحذر (حسب بعض التقديرات يموت ، في روسيا ،150000 شخص قبل الأوان في حين أن آلافا آخرين سيصابون بسرطان الدرقية،بالعمى
التدريجي وبالعقم).
4 -
تلوث المياه :
أصبح التزود بالماء الشروب صعبا في
الكثير من البلدان إذ لا يمكن جذب أكثر من 1 بالمائة فقط من المياه الموجودة على
الأرض إلى السماط المائي أو في الأودية في حين أن 97 بالمائة من هذه المياه توجد
في المحيطات الشيء الذي يجعلها غير قابلة للاستخدام (إلا إذا استخدمت طريقة مكلفة و
هي تحليه مياه البحر). أضف إلى ذلك أن هذه المياه موزعة بطريقة سيئة ،فهي
نادرة في المناطق الجافة ومتوفرة بكثرة تزيد عن الحاجة في مناطق أخرى مثل كندا .و ستزداد الحالة سوءا في دول مثل ليبيا أو العربية
السعودية ،التي تتمون عن طيش من سماطان المياه الجوفية غير المتجددة. و توجد في
الصين ثلاثمائة مدينة مهددة بنقص المياه في أجل قريب. أما في كاليفورنيا فيتحتم
على مدينة لوس انجلوس أن تبحث عن حاجتها من الماء على مسافة 500 كلم في جبال سييرا
نيفادا،مسببة تصحر المنطقة التي تنتزع
منها تلك المياه.و يهدد النقص حتى
جنوب اسبانيا ،الواقعة غي حدود المنطقة الجافة و التي هي بحاجة إلى الكثير من
الماء لضمان زراعة الخضر المبكرة التي نمت و تطورت بشكل كبير.أن الحاجة إلى المياه
تطرح مشكل حدود يهدد بخلق صراعات و أزمات ،كما هو الشأن بالنسبة لنهر الفرات الذي
تتقاسم مياهه كل من تركيا ، سوريا والعراق.
يلاحظ ،في كل مكان من العالم، انخفاض نوعية المياه و الاحتياطات
المتوفرة .حوالي 75 بالمائة من سكان الأرياف و 20بالمائة من سكان المدن لا
يتمتعون بإمداد مباشر من المياه غير الملوثة.
في الكثير من المناطق الزراعية أو
مناطق التربية الكثيفة للحيوانات (...) نتلوث الاحتياطات المائية الجوفية بالنبرات
الناتجة سواء زيادة مفرطة في الأسمدة الآزوتية أو من فضلات الحيوانات الأليفة أو المنزلية،أبقار وخنازير..إن معايير المنظمة العالمية للصحة التي
تشترط احتواء الماء الشروب على أقل من 40
ملغ من النبرات في اللتر الواحد لم تحترم في الكثير من الحالات إذ أن محطات معالجة
المياه و القادرة على استخراج النبرات ما تزال نادرة لأنها مكلفة جدا، و بذلك تؤدي إلى ارتفاع سعر الماء الصالح للشرب ، و هكذا يسبب استعمال
المياه غير الصحية أمراضا تودي بحياة
ملايين الأشخاص كل عام .
5 - التنقيب عن البترول و التلوث البحري :
ينتزع الإنسان، بالتدريج، مساحات من
مناطق بقيت لوثت طويل بعيدة عن متناوله أو – كادت – و خالية من السكان، تمتد إلى
غاية أصقاع كان الوصول إليها في السابق مستحيلا.أدت الحاجة المتزايدة باستمرار
إلى الطاقة إلى استغلال البترول في
المناطق القطبية الشمالية ،مهددا بذلك التوازن الهش للمنظومة البيئية التي تشكل
التوندرا. سببت كارثة مثل غرق ناقلة البترول إكسون فالدز في سواحل آلاسكا عام 1989
خسائر هامة في مجموعة الحيوانات البحرية في تلك المنطقة .
6 – إتلاف الغطاء الغابي:
يجري تدمير الغابات المدارية في جنوب
شرق آسيا و حوض الأمازون لاستغلال الخشب بوتيرة تنذر بالكارثة ،إنشاء أراضي زراعية
جديدة،مزارع للصنوبر و مناطق للسكن.خلال سنوات 1980 ،اندثرت تلك الغابات بسرعة 20
هكتارا في الدقيقة الواحدة.و تفيد معلومات منحتها أقمار صناعية تدمير 15000 هكتار في السنة في
حوض الأمازون لوحده. و باستطاعة النار و هي إحدى وسائل
تدمير الغطاء الغابي (سواء أضرمت عن قصد أو عن غير قصد) أن يدمر مساحات واسعة جدا.
7 – انجراف التربة :
يتسارع انجراف التربة في
كل القارات و يمس ما يتراوح بين خمس و ثلث الأراضي المزروعة.إنه تهديد كبير
للامداد بالغذاء. و يعد "دست باول dust bowl " أو وعاء الغبار أشهر مثال لتعرية الأرض حدث في الولايات المتحدة من عام 1933 إلى عام
1936 بسبب تضافر فترة جفاف مع ممارسات زراعية سيئة في السهول العظمى في وسط
البلاد . أصابت هذه الكارثة منطقة تزيد مساحتها عن مساحة فرنسا.و هذه الحادثة
المأساوية هي التي ألهمت الكاتب الروائي
جون شتاينبك موضوع روايته "عناقيد الغضب".و أوروبا التي تبدو متمتعة
بظروف أفضل ،ليست في معزل عن انجراف التربة . لقد بدأ هذا الانجراف منذ القديم و قد
وصفها أفلاطون في كتابه " كريتياس" . و تتعرض اليوم مناطق من جنوب
اسبانيا و بعض المناطق في فرنسا لهذه الطاهرة.
أدت الحاجة المتزايدة للغذاء و حطب التدفئة ، في الكثير من
البلدان، إلى إزالة الغابات و زرع أراضي منحدرة
حيث تجري تعرية شديدة . لقد زادت حدة هذا المشكل بفعل التصنيع و السدود و
الاسمنت المسلح المترتب عن التوسع العمراني و مد الطرقات .
إن انجراف التربة و زوال
الغابات يقلص من قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء ويسبب تراكم الطمي و الرواسب
الأخرى في المجاري المائية و البحيرات و في السدود فتحتم بذلك إفراغها دوريا و
تنظيفها.
8 - التزايد
الديموغرافي :
يتزايد عدد سكان العالم بسرعة بطريقة أسية (بمتوالية
هندسية)، كما تبينه الأرقام التالية :
900 نسمة عم 1800 ،
2.5 مليار نسمة عام 1950،05 ملايير نسمة عام 1980 و 6.05 مليار نسمة عام 2000. و
يقدر أن يبلغ العدد حوالي 8 ملايير في عام 2025 . لقد كشف الخطر الذي يمثله هذا
الانفجار الديموغرافي على الإنسانية والبيوسفير من طرف الأمريكي (بول اهلريش Paul Ehrlich) الذي ابتكر العبارة المشهورة اليوم ب
"القنبلة س "س= سكان). على كل نوع، بما فيه الإنسان، أن يتمتع، بكمية من الغذاء أو الطعام ومجال كافيين للبقاء
على قيد الحياة.
للكثير من البلدان عدد
من السكان أكبر بكثير مقارنة بالموارد المتوفرة بها :
إذ تقدر الكثافة العامة في الأراضي المنخفضة(هولندا) ب 470 ن/كلم2 الواحد ،و 538 في بنغلاديش
،38 لمجموع مصر و لكن 1170 في وادي النيل
الذي هو المنطقة الوحيدة من مصر تتمتع بالخصوبة و القابلة للسكن فيها.نتج من عن
التزايد الديموغرافي في الكثير من البلدان ،استحالة تلبية الحاجيات الغذائية
لسكانها بالرغم من البحث عن أراض جديدة قابلة للزراعة و التي أصبحت نادرة أكثر
فأكثر.
نتيجة أخرى لهذا التزايد
الديموغرافي هي التمدن المتسارع
للسكان : لقد أصبح هؤلاء يتكدسون في تجمعات ضخمة ظروف
الحياة فيها متردية و الموارد منعدمة. في العالم اليوم، نصف الكهول لا يعرفون
القراءة و الكتابة، ويعاني كل إنسان من خمسة سوء التغذية، ولا يملك كل إنسان من
ستة سكنا لائقا،و لا يتمتع كل إنسان من كل أربعة رجال بالمياه الصالحة للشرب.
و بديهي أن النمو السكاني
ليس السبب الوحيد لهذه الوضعية، فالبنيات الاقتصادية و الاجتماعية التي أصبحت،
بالتقريب، هي نفسها في كل البلدان لها كذلك نصيب من المسئولية.
إن التزايد الديموغرافي واحد من المشاكل التي ترهن
مستقبل البشرية بسبب الحاجة إلى المجال و ما يترتب عنه من حاجة إلى الموارد و من تدمير متسارع للبيئة.
يتبع