علماء الآثار أناس يقلبون الأرض بحثا عن العوالم القديمة و
يغربلون تربة القرون لاستخراج الذكريات الدفينة، و من شظايا يكونون لوحات عن
الماضي. إنهم مسافرون عبر الزمن
مسلحين بمجرفة.
إن الألمان من الشعوب التي تركت بصماتها على هذا التخصص. و قد لعب
المعهد الألماني للآثار في هذا المجال دورا هاما.
تعود بدايات هذا المعهد إلى سنة 1829 عندما أسس علماء ألمان في
روما "معهد المراسلة الأركيولوجية" إذ كانوا يريدون تنظيم بقايا عالم
عتيق كان ،إلى ذلك الحين،يعاني من الإهمال في وقت بدأ المعاصرون يدركون قيمتها و
جمالها.
و كان "فيلهلم فون همبولدت" و الأمير "مترنيخ" و
"ولفغانغ فون غوته" من الأعضاء الأوائل في هذا المعهد الذي كان تحت
رعاية ولي عهد بروسيا الذي سيصبح فيما بعد الإمبراطور"فريدريك غليوم الرابع".
يتميز المعهد بصرامة علمية كبيرة و يعمل معه العشرات من المتعاونين،
منهم مؤرخون للفنون و مهندسون معماريون و مختصون في التنقيب، في مواقع متعددة في
أوروبا وخارجها. ويمول مكاتبه في عدة بلدان :في روما حيث توجد أكبر مكتبة للمطالعة
في عين المكان،في أثينا منذ 1874،في القاهرة منذ 1907،في اسطنبول، صنعاء، دمشـــق
و غيرها.....و لا علاقة للمعهد بأي استعمار أركيولوجي فباحثوه يتعاونون في كل
البلدان مع نظرائهم المحليين.
ينشط المعهد في الخارج أكثر مما ينشط في ألمانيا و يقوم بأبحاث في
أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى و إفريقيا و الشرق الأوســـط . و يقوم قسم أوراسيا
منذ 1995 بالتنقيب في أراضي الفيدراليا الروسية و جمهوريات أخرى من الاتحاد
السوفياتي سابقا، الشيء الذي كان ممنوعا عن الباحثين الغربيين قبل بالبيريسترويكا
طيلة ستين سنة من الحكم السوفياتي.
لقد تغيرت مواضيع اهتمام الأركيولوجيا مع الوقت ف"هاينريش
شليمان" مؤسس الأركيولوجيا بالمجرفة الذي نقل كنز "بريام" من
طروادة إلى برلين في سنوات 1870، كان يسعى إلى إثبات وجود المكان الذي جرت فيه حرب
طروادة (في القرن 13ق.م)، حسب هوميروس، كما كان يبحث عن كنوز.
أما اليوم فإن الباحثين في شؤون التاريخ القديم يبحثون عن
المعرفة:كيف كان الناس يعيشون ؟ كيف كانت بنياتهم الاجتماعية ؟و طرق المواصلات في
ذلك العهد؟ و لماذا انطفأت تلك الثقافات ؟ و للحصول على هذه الأسئلة يقوم علماء
الآثار باستنطاق الحجارة.
إن هؤلاء المسافرين عبر الزمن يقرأون فترات الاكتظاظ السكاني و فترات
الجفاف وانقلاب الأنظمة في الرموز العمرانية للبنـــاءات و بدراسة التربة.
دخل الحاسوب ميدان العمل الأركيولوجي و حل محل الكتب و الرسوم
تدريجيا كما ظهرت طرق استكشاف تقوم على الالكترومغناطيسية تسمح بفحص التربة، و بها
يستطيع الآثار أن
يعرفوا أين توجد البنايات و الشوارع و المساحات والأماكن الأخرى، التي يكون من
الأفيد بدء التنقيب فيها، و بذلك يتقلص دور الصدفة.
هل سيحل الحاسوب محل التنقيب في يوم من الأيام ؟
إن علماء الآثار يسايرون عصرهم و لكن الشيء المؤكد - في
الوقت الراهن- هو أن المجرفة لا غنــــى عنها.
المصدر : مجلة
" Deutschland " قبل بداية صدورها باللغة
العربية.
العنوان
الأصلي للمقال : L'institut Allemand d'Archéologie
ترجمة
: كاتب مدونة تاج
نشر في جريدة اليوم بتاريخ 28 أكتوبر 2001.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق