جاء في القاموس عن مارتن لوثر ما
يلي:
" هو عالم لاهوت و
رائد الإصلاح الديني، طبع بتأثيره تطور الديانة المسيحية و انعكس تأثير نظرياته و أفكاره على التطور السياسي والاقتصادي
لأوروبا ".
ولد مارتن لوثر عام 1483 في مدينة " أيسلبن" )ولاية ساكس أنهالت- في ألمانيا (لأب من عائلة فلاحين كان
بعمل في منجم للنحاس.
لم يكن، في البداية، يسعى إلى تأسيس مذهب ديني جديد و لا حتى في أن يكــــــون مصلحــــا.و قد صرح ذات يوم أن الله قاده إلى هذا
الدرب كما يقاد ’’الحصان الأعمى’’.
التحق مارتن لوثر بدير في" إرفورت" في عام 1505 و تدرج في سلم الرتب إلى أن أصبح أستاذا في كلية للاهوت ". و كانت الأديرة في
ذلك الوقت مرادفة للكسل و ضـيق العقـل و الأفق.
لم يكن لوثر أول من أعلن الحرب على
انحطاط الكنيسة الكاثوليكية آنذاك, فقبله بقرن دفع المصلح
التشيكي " يان هوس " (1372 -1415) حياته على المحرقة ثمنا لذلك ، كما
كان "إيراسم الروتردامي ” (المعاصر له (قد هاجم الأفكار القروسطية للكنيسة الكاثوليكية وغياب البعد
الروحي و الاستبداد البابوي الذي اشتد منذ منتصف القرن 15 الميلادي.و المدهش هو ذلك الصبر الذي كان المسيحيون يقابلون به الإفلاس المعنوي
لكنيستهم غير أن الرغبة في إصلاح "الرأس و الأطراف" كانت عامة.
استنتج لوثر من قراءاته
الدينية أن المسيحيين لا يفوزون بالخلاص بفضل مجوداتهم الشخصية ولكن برحمة من الله
لإيمانهم به.و دفعه هذا الاستنتاج إلى رفض بعض المباديء و المعتقدات الأساسية في
الكنيسة الكاثوليكية. وأصبح هذا المبدأ اتجاها
روحانيا أساسيا في الإصلاح.
بدأت النتائج
الملموسة للإصلاح تظهر للعيان مع إعلان
مارتن لوثر عن الأطروحات أل 95 في
أكتوبر 1517، و من بين ما تضمنته تلك الأطروحات التنديد بصكوك الغفران التي كانت
تباع لجمع الأموال لبناء كاتدرائية القديس بطرس في روما. ترجمت
تلك الأطروحات بسرعة إلى اللغة الألمانية ووزعت على نطاق واسع وانتشرت بسرعة مدهشة بالنسبة لذلك العصر و كان لها صدى عظيم.وأثارت
ردود فعل شديدة. مع العلم أن انتقادات لوثر لم تكن موجهة إلى العقيدة المسيحية بل إلى انحرافات غريبة عن الديانة الكاثوليكية و مع ذلك أثارت حركة دينية
مست معتقدات الكنيسة ذاتها.
أصبح لوثر
موضع تحقيق من طرف السلطات الدينية الرومانية، فأدينت
أفكاره في جوان 1520 ثم كفر و طرد من المسيحية في جانفي 1521.
في أفريل 1521 أي
بعد أربع سنوات من نشر أطروحاته مثل لوثر بتشجيع من أميــره النـاخــــب " فردريك
السكسوني" أمام الإمبراطور شارلكان(شارل
الخامس) في ديات(برلمان) "وورمز Worms" "
و هناك طلب منه التبرؤ من أطروحاته والتنكر لها أمام
السلطات الدينية و الدنيوية. رفض
لوثر أن ينكر
و لو سطرا واحدا من كتاباته، وتمسك بمواقفه من الاستبداد البابوي الذي تعاني منه “ الأمة الألمانية العظيمة ’’ و بهذه العبارة مس لوثر عصبا حساسا في تلك الفترة، إذ مزج قضية
دينية مع إحساس قومي كان منتشرا في الناس، و بذلك أصبح المشكل الديني أكثر عرضة للانفجار.
بعد إدانته من طرف الإمبراطور و في طريق
العودة من ديات وورمز "هوجم" لوثر من طرف فرسان الأمير السكسوني و أخذ إلى قلعة " وارتبورغ "لحمايته من أعمال متطرفة كانت
سترتكبها الكنيسة الرومانية ضده.
في "وارتبورغ"
وجد لوثر متسعا من الوقت
لترجمة العهد الجديد(الإنجيل) إلى اللغة الألمانية.
إن هذا العمل
لوحده كاف ليمنحه مكانة مرموقة بين الشخصيات الأكثر تأثيرا في التاريخ الألماني، لأن ترجمة الإنجيل إلى اللغة الألمانية
لم تكن مفيدة كأساس و دافع للإصلاح فحسب، بل كانت كذلك واحدة من معالم اللغة و
الأدب الألمانيين.و يمكن التساؤل عما إذا كان بمقدور الألمان - بدون
لوثر - أن تكون لديهم لغة أدبية مشتركة. هذا النجاح الذي حققته لغة لوثر يعود إلى أنها كانت تغترف من أعماق الحياة
الشعبية.كما كان أسلوبه المدوي والحاد عاملا آخر في نجاح هذه اللغة.
و لأن الداعي لها كان فنانا في اللغة، كانت العقيدة تتقوى أكثر فأكثر.
لم تحقق الإجراءات
العقابية التي اتخذتها الكنيسة الكاثوليكية ضد لوثر مثل التكفير أية
نتيجة تذكر. غير أن خطر الصراع بين التيارات المختلفة داخل
المذهب البروتستانتي الناشئ نفسه، حول قضايا سياسية أكثر منها دينية أصبح، شيئا
فشيئا، أكبر من خطر الكاثوليكية المتربص.
واشتدت الأزمة أكثر عندما اندلعت حرب الفلاحين عام 1525-1526. استنكر لوثر تلك الحركة الشعبية لأنه كان يرفض أية انتفاضة ضد النظام السياسي القائم آنذاك حتى لو كان ظالما لأن هذه الانتفاضة، في رأيه، خطر على الإنجيل و على الإصلاح.
لم يكن لوثر في خدمة الإنجيل فحسب، بل و عمد إلى حسابات سياسية لضمان نجاح
الإصلاح.و قد أدى هذا، فيما بعد، إلى وضع شؤون الكنيسة بين يدي الدولة . و تفسير ذلك أنه كان يريد إنقاذ الإصلاح و
لم يكن لديه خيار آخر.
كان لوثر
يعيش منذ مدة طويلة في معزل عن الحركات السياسية الكبرى و لم يعد لديه أي تأثير
حاسم عليها. لقد كلفته مواقفه الحازمة من
حرب الفلاحين الكثير من الأصدقاء و شعبيته، زيادة على الأزمة الكهنوتية التي
نشبت عام 1525 بينه و بين" إيراسم " و التي دفعت شخصيات بارزة من التيار الإنساني الألماني إلى الابتعاد عن
الإصلاح.
في نفس السنة أيضا أي 1525 تزوج مارتن لوثر " كاتارينا فون بورا" و تخطى بذلك الزواج المفهوم القروسطي للرهبنة...
يمكن اعتبار العشريتين الأخيرتين من حياة لوثر حتى تاريخ وفاته عام 1546 فترة تقدم
للإصلاح نحو كنيسة حقيقية قائمة بذاتها. لقد
أصبح الحفاظ على تلك الوحدة أمرا مستحيلا فترسخت القطيعة
التاريخية مع الكنيسة الرومانية
،بصفة نهائية،عام 1537.إن النهج الحقيقي ل
لوثر يتجلى في الصحيفة الشهيرة التي
عثر عليها بعد وفاته، و هي آخر ما كتب، و تبدو ملخصا برنامجيا لأعماله و لحياته، و قد جاء فيها :
"لا يعتقدن أحد أنه طبق كل ما جاء في الكتاب المقدس إلا إذا قاد جموعا، طيلة مائة عام، مع أنبياء مثل إيليا و اليسع و يحي و المسيح و
الحواريين .اقتد بهم... و اسجد على أثرهم في الصلاة.إننا
متسولون. هذه هي الحقيقة".
المصادر:
1. Magazine Deutschland : N° 1/ Février 1996.
2. Collection Encarta 2005
3. Bibliorom Larousse.
4. DW.world.de.com